(9) حرب الشعب الطويلة الأمد هي الطريق الوحيد للتحرير:
ان تحرير فلسطين لا يتم الا بالعنف الثورى ، ويجب ممارسة كافة أشكال النضال وفي المقدمة منها الكفاح المسلح باعتباره أرقي أشكال النضال ، ولكن التفوق العسكرى التكنولوجى للعدو الامبريالى الصهيوني يجعل الحرب التقليدية السريعة الخاطفة لمصلحة العدو ، لهذا فإن الأسلوب الناجح المستخلص من تجارب الشعوب لمواجهة تفوق العدو هو أسلوب حرب العصابات التي تبدأ في مراحل الكفاح الأولي باستنزاف العدو تدريجياً ، ثم تعبئ مع الوقت الملايين من أبناء الشعب الفلسطينى والعربي في حرب طويلة مستمرة قادرة في نهاية المسيرة علي تحقيق الإنتصار.
(10) اهمية الموضوعة التنظيمية:
للتنظيم السياسي أهمية كبيرة وبدونه تظل الأهداف السياسية ، وعلى الرغم من صحتها وعدالتها ، أحلاما وتمنيات. والحزب الثورى هو الحزب الذي يعتمد أيديولوجية الطبقة العاملة دليلا نظريا. ويتشكل الحزب أساسا من طلائع الطبقة العاملة في تكوينه الطبقى ، ويستند الى مبدأ المركزية الديمقراطية فى علاقاته الداخلية. أما الجبهة الوطنية المتحدة فهي الإطار التنظيمي الذي يضم مختلف طبقات الثورة وأحزابها ومنظماتها.
إن منظمة التحرير الفلسطينية هى الجبهة الوطنية الفلسطينية العريضة التي تناضلالجبهة الشعبية ضمنها على أساس جماعية القيادة ، والعلاقة الديمقراطية بين فصائل الثورة المبنية على قاعدة الاستقلال الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي لكل فصيل ، وتمثيل الفصائل في مؤسسات م.ت.ف بحسب نمو أدوارها في العملية الثورية.
وفى إطار منظمة التحرير الفلسطينية وبهدف تعزيز وتعميق وتصليب الوحدة الوطنية تناضل الجبهة لتحقيق وحدة القوي الديمقراطية كخطوة ضرورية علي طريق بناء حزب الطبقة العاملة الفلسطينى الموحد.
(11) هدف الثورة الفلسطينية الاستراتيجى تحرير فلسطين واقامة الدولة الديمقراطية على كامل الأرض الفلسطينية:
ان هدف النضال الفلسطيني تحرير الأرض الفلسطينية من الوجود الصهيونى الاستيطاني التوسعي وليس الصراع مع العدو الصهيوني قائما علي أساس التعصب القومي أو الديني ، ولذلك تهدف الثورة الفلسطينية الى تشييد دولة ديمقراطية يتمتع فيها العرب واليهود بحقوق وواجبات متساوية.
ان عملية تحرير فلسطين هى عملية تحرير للجماهير اليهودية التى حشدتها الامبريالية والصهيونية لتستعملها وقوداً في حربها مع جماهير المنطقة. ولذا فإنه من الطبيعي أن تتحالف الثورة الفلسطينية مع القوي اليهودية المناهضة للامبريالية والصهيونية. وهذه الدولة الفلسطينية ستتحد مع البلدان العربية في إطار مجتمع عربي تقدمي وسيكون اليهود في فلسطين بعد التحرير مواطنين فى مجتمع ديمقراطي إشتراكي.
وتؤمن الجبهة الشعبية بمرحلة النضال الوطني الفلسطيني ، وتتبني البرنامج المرحلي لـ م.ت.ف المتمثل بحق الشعب الفلسطينى بالعودة إلي دياره وتقرير مصيره واقامة دولته المستقلة. وتري الجبهة أن تحقيق الهدف المرحلى يرتبط أشد الإرتباط بتغيير موازيين القوي القائمة ، وأن الإطار المناسب لتحقيقه هو المؤتمر الدولي كامل الصلاحيات الذى تحضره الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ، وتشارك فيه م.ت.ف علي قدم المساواة إلي جانب الأطراف المعنية.
أهم المواقف السياسية في مسيرة الجبهة:
(1) الموقف من الحكم الأردني:
ترى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن لهذا الحكم تأثيره الكبير السياسي والعسكري على الصراع العربى الصهيونى بحكم جملة عوامل منها تكوينه الديمغرافى وموقعه الجغرافى. وكانت ترى منذ اللحظة الأولي بوجود المقاومة الفلسطينية فى الأردن عام 1967 استحالة التعايش بين الاثنين ، لذلك حصلت بينهما إصطدامات كثيرة ، بل إنها إعتبرت أن تردد الثورة آنذاك في مواجهة الحكم قد ضيع عليها فرصة ثمينة ومكن الحكم من ضرب المقاومة فى أيلول 1970 ثم اخراجها من الأردن في تموز 1971. وبذلك خسرت المقاومة أهم موقع لها بسبب خصوصية الساحة الأردنية وكونها الموقع الطبيعي والأساسي للثورة.
(2) التصدى لنهج التسوية بعد حرب 1973 وتأسيس جبهة القوي الفلسطينية الرافضة للتسويات الاستسلامية:
آمنت الجبهة الشعبية بأن التحركات التي تلت حرب تشرين كانت مؤامرة تهدف إلي إنهاء الصراع العربى - الصهيونى على قاعدة التسليم بالوجود الصهيوني ، واحتواء الثورة الفلسطينية باغرائها بدولة فلسطينية تقوم فى الضفة والقطاع مقابل توقفها عن المطالبة بتحرير كامل التراب الفلسطينى ، وكان حذف شعار : " لا تفاوض مع العدو الصهيونى" من البرنامج السياسى الذي أقرته الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني سببا في إنسحاب الجبهة من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وقد شكلت مع ثلاثة فصائل أخرى "جبهة القوى الرافضة للحلول الإستسلامية" ، واستمر الإنقسام في الموقف الفلسطيني إلي حين قيام السادات بزيارة القدس ، فانعقد المؤتمر الأول لقمة الصمود والتصدي ، واتفقت الفصائل المختلفة على "وثيقة طرابلس" التي سجلت مبدأ اللاتفاوض مع العدو الصهيونى ، وربطت أى هدف مرحلي للثورة الفلسطينية بالشروط والضوابط التي تجعله خطوة على طريق الهدف الإستراتيجى لا بديلاً عنه.
(3) الحرب الأهلية في لبنان:
تري الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن المعارك التي إنفجرت على الساحة اللبنانية بين المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية من جهة ، والقوات اللبنانية من جهة أخرى ، ليست معارك مؤقتة ومحدودة تسببها ظروف طارئة أو ممارسات لا مسؤولة ، وهي ترى أن معارك أيار 1973 كانت مقدمة للمعارك الواسعة التى شهدها لبنان منذ نيسان 1975.
وفي ضوء ذلك طرحت الجبهة الشعبية أن طبيعة المعارك وطبيعة المخطط الإمبريالى الصهيونى الرجعي على الساحة اللبنانية لا تسمحان بأية إمكانية لحلول وسط للصراع ، لأن التناقض القائم تناحري لا يمكن حله إلا بهزيمة أحد طرفيه. وقد طالبت الجبهة الشعبية القوي الوطنية والتقدمية المعنية بالصراع بتحديد مواقفها وتكتيكاتها إستنادا إلي هذا الأساس.
وتؤمن الجبهة بأن بقاء البندقية الفلسطينية مرفوعة فى لبنان يعنى إستمرار الثورة ، ويشكل هذا البقاء أكبر دعم سياسي ومادي ومعنوي لنضالات الجماهير الفلسطينية داخل فلسطين المحتلة. وترى أيضا ان البندقية الفلسطينية عقبة أمام تمرير مشاريع الإستسلام وعقبة أمام أى نظام عربى يريد اللحاق بكامب ديفيد على الطريق الذي إتبعه السادات. كما ترى أن بقاء البندقية الفلسطينية مشرعة سيؤدى إلي إستمرار افراز حالة ثورية تنتقل بتأثيراتها وانعكاساتها الى المنطقة العربية.
واضافة لذلك ترى الجبهة الشعبية أن المخطط المعادى يستهدف الحركة الوطنية اللبنانية بقدر ما يستهدف المقاومة الفلسطينية لتثبيت الهيمنة على جماهير لبنان. ولذلك طالبت بضرورة "اعتبار الحركة الوطنية اللبنانية الأساس في عملية التصدي لهذه المحاولات في سبيل دحر مخططاتها واعتبار دور المقاومة الفلسطينية دوراً داعماً ومسانداً ومشاركاً".
الجانب العسكري:
بدأ فرع فلسطين في حركة القوميين العرب الاعداد للكفاح المسلح قبل الخامس من حزيران 67 ، ومارس النشاط العسكري قبله ، وسقط الشهيد الأول خالد أبو عيشة في 2/11/1964. وبعد الخامس من حزيران مارست الجبهة الشعبية الكفاح المسلح من داخل الوطن المحتل ومن خارجه ، وكان نشاطها جزءاً من نضال فصائل المقاومة الفلسطينية العسكري ، وقد ألحقت ضربات موجعة بالعدو الصهيونى في جبال الخليل وقطاع غزة ، وشكلت هناك بؤراً ثورية مسلحة ألحقت بقوات العد الصهيوني خسائر كبيرة ، ولكن سوء الظروف الموضوعية وتوقف حرب الاستنزاف علي الجبهة المصرية وتفجير أحداث الأردن عام 1970 ، وقيام العدو الصهيوني بعمليات عسكرية كبيرة ضد المقاومة أدت إلي تصفية الصف القيادي الأول لتنظيم الجبهة الشعبية في قطاع غزة الذي كان يقوده الشهيد محمد محود الأسود (جيفارا غزة) عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية ، وأدت إلى القضاء على عدد من المجموعات الثورية للجبهة في المناطق الأخري. غير أن ذلك لم يمنع الجبهة من إعادة ترتيب أوضاعها ومواصلة الكفاح المسلح.
وبذلت الجبهة جهوداً عسكرية على مستوي العمليات الحدودية من خارج الأرض المحتلة ، فهاجمت قواتها دوريات العدو الصهيوني ومواقعه وكمائنه ، وزرعت الألغام وهاجمت مستعمرات الحدود ، مما أربك العدو واستنزف طاقاته.
وقد وجهت الجبهة الشعبية ضربات عسكرية للمصالح الإمبريالية كعملية تفجير خط أنابيب النفط المار بأراضي الجولان السورية المحتلة ، وعملية ناقلة النفط "الكورال سي" فى مضيق باب المندب ، كذلك وجهت ضربات للمصالح الصهيونية ومؤسسات العدو الإقتصادية خارج الوطن المحتل.وقامت الجبهة الشعبية وتقوم بدورها في الدفاع عن المقاومة الفلسطينية ووجودها المسلح ، أمام الهجمات التي تستهدف تصفيتها وابادتها على الأرض العربية مشتركة في ذلك مع فصائل المقامة الفلسطينية.
وفي لبنان كان لتنظيم الجبهة العسكري الموجود في تل الزعتر بقيادة عضو اللجنة المركزية للجبهة الشهيد أبو أمل الى جانب جماهير الشعب الفلسطينى ومقاتلى الثورة الفلسطينية من مختلف فصائل المقاومة أثر في الصمود البطولي للمخيم ، كذلك وقف مقاتلوا الجبهة مع غيرهم من مقاتلي الثورة صامدين في لبنان في آذار 1978.
وابان الاجتياح الاسرائيلى للبنان عام 1982 تصدت الجبهة لجحافل العدو الصهيونى بكل قوة الى جانب القوى الوطنية اللبنانية وفصائل الثورة الفلسطينية ، ورفعت أثناء حصار بيروت شعار : " تحويل بيروت الى ستالينغراد" ، كما رفضت الانسحاب من بيروت في الفترة الأولي من الحصار مما لعب دوراً في إطالة أمد الصمود ، وانسحاب المقاومة الفلسطينية بكرامتها من بيروت ، وقبل الانسحاب من بيروت كان للجبهة الشعبية دور أساسي ، الى جانب الحزب الشيوعي اللبنانى في تأسيس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية والمشاركة الفاعلة في عملياتها. كما شاركت الجبهة بفعالية إلي جانب قوي الحركة الوطنية اللبنانية في التصدى للاحتلال الصهيونى وأعوانه فى الأعوام 83 ، 84 ، 85 ودحره عن مناطق بيروت والجبل وصيدا.
أزمة م.ت.ف ودور الجبهة:
خلال فترة الأزمة التي عصفت بـ م.ت.ف العام 1983 ، والتى أدت إلي إنقسام فى الساحة الفلسطينية ، لعبت الجبهة دورا بارزاً ومميزاً في النضال من أجل تجاوز الأزمة والانقسام واستعادة الوحدة لـ م.ت.ف. وفي نضالها ربطت الجبهة جدليا بين الوحدة والإصلاح في م.ت.ف ورأت بوضوح أن إستعادة الوحدة الوطنية يرتبط أشد الإرتباط بإستعادة م.ت.ف لخطها الوطني ، واعتبرت أن إلغاء إتفاق عمان الذى تخلت بموجبه القيادة اليمينية المتنفذة في م.ت.ف عن البرنامج المرحلي للثورة الفلسطينية و م.ت.ف ، برنامج العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة ، وعن مبدأ وحدانية تمثيل م.ت.ف للشعب الفلسطينى شرط أساسي لاستعادة الوحدة ، وقد كان للجبهة الشعبية الدور البارز والمميز في إعادة اللحمة لصفوف م.ت.ف ، ابان إنعقاد الدورة التوحيدية للمجلس الوطني فى الجزائر 1987.
الانتفاضة ودور الجبهة:
لعبت الجبهة ولا تزال دوراً ميدانياً بارزاً على صعيد الإنتفاضة وفعالياتها ونشاطاتها النضالية المختلفة ، وفى إطار قيادتها الوطنية الموحدة فى الداخل ، وقد رفعت الجبهة شعار : "الإنتفاضة محور عملنا" ، وسعت وما زالت ، الى تطبيقه على صعيد النشاط الوطني الفلسطينى.
وترى الجبهة أن الإنتفاضة شكلت بداية مرحلة جديدة من النضال الوطني الفلسطيني من أهم سماتها ، الطابع الجماهيري الشامل للإنتفاضة ، وإنتقال مركز الثقل والصراع الفلسطينى مع العدو الصهيونى من خارج الوطن المحتل إلى داخله ، وابراز أولوية وأساسية الصراع الفلسطينى - الإسرائيلي فى إطار الصراع العربى - الصهيوني العام. كما تري الجبهة بأن الإنتفاضة حولت شعار الدولة من إمكانية تاريخية إلي إمكانية واقعية ، لكنها عارضت بشدة نهج الإستثمار المتسرع للإنتفاضة ورأت أن تجسيد هذا الشعار على أرض الواقع يتطلب نضالاًشاقاً وطويلاً. كما ناضلت الجبهة ولا تزال ، ضد سياسة التنازلات المجانية التي تنتهجها القيادة اليمينية المتنفذة في م.ت.ف وطالبت بضرورة توفير الحماية السياسية للإنتفاضة والعمل علي استمرارها وتجذيرها وتصاعدها حتى تحقيق هدفها بالحرية والإستقلال.
ملاحظة :
هذه الورقة أعدت في عام 1989 ولكنها لا زالت تكتسب أهمية وراهنية سواء من حيث القائها الضوء علي فكر وسياسة الجبهة أو من حيث رؤية التطورات على ما جاء فيها.