لمحة عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطن
القيادة العامة
شهدت خمسينات هذا القرن اشتعال الثورات الوطنية في أنحاء مختلفة من العالم في مقدمتها ثورة الجزائر ، وتحقيق انتصارات عربية تحررية كبرى انعكست أثارها على أبناء لشعب العربي الفلسطيني فأنعشت آمالهم بالعودة ، وكشفت أمام أعينهما الواقع السيئ الذي الذين كانوا يعيشونه ، وأخذت مجموعات نشطة منهم تبدي تململها من الخضوع للواقع المظلم ، وتدعوا لبحث الوضع و اقتراح الحلول ، وتعمل على التجمع في تنظيمات ومجموعات صغيرة لتحقيق الآمال الوطنية والقومية المتجددة.
ومن بين هذه المجموعات حمل تنظيم تشكل سنة ( 1959 ) اسم " جبهة التحريرالفلسطينية " وطرح شعار تحرير فلسطين بأسلوب الحرب الشعبية ، أو حرب العصابات . وقد جوبه هذا الشعار بالاستهجان والعداء من قبل الأحزاب العربية التقليدية المسيطرة آنذاك لخوفها من أن يشكل خطرا على وجودها و تهديدا لمصالحها ، فأخذت توهم الجماهير أن لظروف الموضوعية تجعل الشعار غير قابل للتحقيق ، وأن مطلقي هذا الشعار هم جماعات مرتبطة بأجهزة أجنبية .
وعلى الرغم من أن جبهة التحرير الفلسطينية تجاوزت آنذاك مرحلة الململة الجماهيرية ، وطرحت شعاراً محدداً هو تبني الأسلوب العالمي للثورات ، أي حرب العصابات ، على الرغم من ذلك لم يكن القائمون على أمور الجبهة يملكون غير الرغبة الصادقة في العمل من أجل تغير الواقع السيئ الذي كان يعشه الشعب الفلسطيني ، واسترداد الوطن المغتصب . ولم تكن عملية التنظيم السياسي والوعي الثوري قد تكاملت عنده إلى حد تبني نظرية ثورة متكاملة تطرح على الجماهير ، لهذا كان برنامج الجبهة عاماً أنتقى مما هو موجود في الساحة العربية ، وقام على ائتلاف وتحالف طبقات الشعب من عمال وفلاحين ومثقفين وبرجوازيين وطنيين ، وعلى أن المعركة مع العدو الصهيوني معركة تحرر وطني لا بد من أجل الانتصار فيه من تحالف مختلف القوى لوطنية .
تجسد هذا البرنامج في المبادئ الستة التي طرحتها الجبهة و أطلقت عليها اسم " المبادئ الإئتلافة " وهي :
1. الشعب العربي لفلسطيني هو المسؤول الأول عن قضته ، ومن خلفه الشعوب العربية .
2. رفض الوصاية على الشعب الفلسطيني من أي جهة ، سواء كانت نظاماً ، أو حكماً ، أو حزباً ، أو أي جهة أخرى . وقضية فلسطين قضية قومية ، ومن واجب كل عربي دعمها .
3. تحريم التكتل و النشاط الحزبي ضمن صفوف الجبهة .
4. الديمقراطية ، والاستشارة ، والإجماع ضرورات لتحقيق انتصارات لمسيرة النضالية .
5. رفض أنصاف الحلول ، و الحلول الوسطى للفضة الفلسطينية ، أو أي مشروع تسوية القصد منه تصفية القضية الفلسطينية 0
6. شكل الحكم ، و كل ما يتعلق به ، متروك لما بعد التحرير ، و يقرره مجلس وطني فلسطيني 0
و قد انطلقت الجبهة في وضعها لهذه المبادئ من الظروف العامة الفلسطينية و العربية و العالمية ، وكان تشكل الحد الأدنى لتحالف وطني لمختلف طبقات الشعب العربي الفلسطيني ، و لم يكن الإلحاح على الشخصية الفلسطينية في هذه المبادئ الستة ، و لا سيما الأول بدافع إقليمي ، بل كان لمواجهة محاولات الاستعمار و الصهيونية و أعوانهما في المنطقة العربية لتذويب كيان الشعب الفلسطيني في إطار الأقطار العربية المجاورة عن طريق التوطين و التقييد و الوصاية بحجة إسباغ الصفة القومية على القضية ، وكانت الجبهة تسعى إلى تثبيت الشخصية الفلسطينية كي يمارس الشعب الفلسطيني حقه الطبيعي في الدفاع عن وجوده و مصيره.
اتبعت جبهة التحرر الفلسطينية في طور نشأتها أسلوب العمل السري . و قامت تنظيماتها على أساس لتسلسل الهرمي من الزمرة إلى الفصيل ، ثم ا لمجموعة ، فالجزئيات ، و الفرعيات ، ثم المركز . وكان عدد أفراد التنظيم قليلاً محدوداً أول الأمر ، لكن لجبهة أخذت تتوسع و تتفتح على الجماهير وتضم إلى صفوفها عناصر جديدة كان من بينها أفراد من أقطار عربية مختلفة وصل بعضهم إلى مراكز قيادية في الجبهة ، مما يثبت بعد الجبهة عن الإقليمي .
وجابه استقطاب العنصر و اعددها للقتال صعوبات كبيرة في ظل الأوضاع السياسية العربية القائمة آنذاك . وكان التدريب العسكري يتم في الجبال و المناطق النائية بعيداً عن أعين رقباء السلطة . و كان برنامج التدريب يستغرق وقتاً طويلاً بسبب طبيعته السرية ، ولأن معظم العناصر هم من العمال و الموظفين و الطلاب غير المتفرغين تفرغاً كاملاً وعلى الرغم من هذه الصعوبات ، ومن الاعتقال و السجن ، استطاعت الجبهة عبر سني النشأة و الإعداد أن تهيئ مجموعات مدربة على القتال ، مؤمنة بالتضحية من أجل الوطن .
في مطلع عام ( 1964 ) ، وبعد خمس سنوات من التهيئة و الإعداد ، عقد مؤتمر القمة العربي الأول ، وتقرر تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية قرار مؤتمر القمة بتشكيل المنظمة وإنشاء الجيش ، ورأت فيهما " لعبة الأنظمة العربية " لاحتواء التحرك النضالي الجديد لشعب فلسطين الذي أخذت هذه الأنظمة تكتشف وجوده من خلال التنظيمات السرية المختلفة . وقالت الجبهة في بياناتها يومئذ أن ذلك ليس إلا امتصاصا لحماسة أبناء الشعب الفلسطيني وهدرا لطاقاتهم ، وما جيش التحرير الفلسطيني إلا جيش صغير يضاف إلى مجموعة الجيوش العربية ، وما منظمة التحرير الفلسطينية ، سوى مؤسسة مرتبطة بعجلة الأنظمة العربية و لن تستطيع أن تحرك ساكنا إلا لأوامر هذه الأنظمة .
آ . بداية العمل العسكري :
كان للجبهة في منتصف عام ( 1964) كادر من العناصر المقاتلة قادر على العمل . ولكن الحجة دعت بسبب صغر أعمارهم ، إلى تدريبهم في عمليات استطلاعية يتعرفون على الأرض المحتلة و مداخلها و مخارجها ليسهل عليهم التحرك فوقها . وقد استمر ذلك حتى منتصف عام ( 1965 ) تاريخ البدء بالعمليات العسكرية .
ضمت الجبهة ثلاث مجموعات قتالية هي :
1. مجموعة الشهيد عبد القادر الحسيني،ومركزها الضفة الغربية ، وعملها محصور في الحدود المتاخمة للضفة الغربية .
2. مجموعة الشهيد عز الدين القسام،و مركزها سورية ، ونطاق عملها سهل الحولة و طبريا وقرى الجليل الأعلى .
3. مجموعة الشهيد عبد اللطيف شرورو ، ومركزها سورية أيضاً ، وعملها محدد في منطقة الحدود المتاخمة لجنوب لبنان وشمال فلسطين .
وقد قامت هذه المجموعات الثلاث بعدد العمليات العسكرية ، منها نسف قطار القدس – بتير في منصف عام ( 1966 ) ، ومهاجمة مستعمرة " دشوم " في الجليل الأعلى التي سقط فيها أول شهيد للجبهة هو " خالد الأمين" ونسف سيارة ركوب كبيرة تحمل خبراء عسكريين على طارق الجاعونة " روشبينا "قبيل الخامس من حزيران (1967) ونسف سينما " رويال " في حيفا ، حيث وقع أول أسير للجبهة بأيدي الصهيونيين هو المناضل " سمير درويش " بالإضافة إلى الاصطدام بكمائن العدو على الحدود المخلفة .
دعت " الجبهة " بعد حرب (1967) إلى لقاء جميع المنظمات الفلسطينية الموجودة على الساحة . و أثمرت الدعوة التقاء " جبهة التحرير الفلسطينية " و " أبطال العودة " و " الشباب الثائر " ونشأت من ذلك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي دام وجودها قرابة عام ، ثم حدث الانشقاق ، وخرج بنتيجة تنظيمان هما :
1. الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة .
2. الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وتضم مجموعة القوميين العرب .
عقدت الجبهة الشعبة – القيادة العامة
مؤتمرها الأول في نهاية عام ( 1968) وأقرت برنامجها سياسياً أطلق عليه اسم " الميثاق " من أهم مبادئه :
1. المادة الأولى :
إن الشعب العربي في كل مكان ، وفي مقدمته الفلسطينيون ، يرى أن الثورة المسلحة على العدوان و الاحتلال الصهيوني للأرض العربية وعلى تحد الاستعمار الذي يكرس هذا الاحتلال و العدوان ، هي طريقة الوحيد وحقه المقدس و الطبيعي ، وليس لأحد أن يسلبه هذا الحق أو يمنعه من مزاولته إلا إذا كان مناصراً للعدوان أو معادياً لهذا الحق وداعياً للاستسلام .
2. المادة الثانية :
إن قضية فلسطين قضية عربية قومية ، والثورة الفلسطينية مرتبطاً ارتباطا عضويا ومصيريا بالثورة العربية وتشكل عنصراً أساسياً من عناصرها وجزءاً منها لا يمكن فصله عن صلب الثورة العربية ضد الإمبريالية و الاستعمار الذي تشكل " إسرائيل " رأساً ومخلباً في الوطن العربي .
3. المادة الثالثة :
إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة تنظيم ليس له انتماء إلا للقضية العربية التي يأتي في طليعتها تحرير فلسطين . لذلك فإن الجبهة الشعبية تستمد طاقتها و قدراتها البشرية و جماهير الشعب العربي ، وتعتبر نفسها ملتزمة أمام هذه الجماهير وحدها ، منها تستمد العون و أمامها المادية و المعنوية من حمل المسؤولة .
4. المادة السابعة :
لما كانت الثورة على أكتاف أصحب المصلحة الحقيقية في الثورة ، وهي عناصر قوى الشعب من عمال و فلاحين ومثقفين وثورين وبرجوازيين وطنيين ... فغن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين نفسها تنظيم جماهيري مستقل ، يرتكز
( أولاً ) على انفتاحه الكامل لكل تلك العناصر الشريفة العربية المناضلة ، وليس تنظيما مغلقاً على نفسه . ( وثانيا) على عدم ارتباطه بأي حزب أو حركة سياسية أخرى ، ولا يقبل في عضويته أي عضو أو عنصر ملتزم مع أي حزب أو حركة أو تنظيم آخر ، ولكنه قبل بانضمام أي عنصر لتزم فقط بمبادئ الجبهة ويتقيد بأنظمتها ، ويخلص لقضية الثورة من خلال إخلاصه لمبادئ الجبهة و سلوكياتها .