ثوابت ومتغيرات مبادئ الحرب
تتضمن مبادئ الحرب المتعارف عليها بصورة عامة : الهدف، والهجوم، والحشد، والاقتصاد في القوى، والمناورة، ووحدة القيادة، والأمن، والمفاجأة، والمرونة، والروح المعنوية، والشؤون الإدارية، وحرية العمل، والمبادأة، وخفّة الحركة. وتوفّر هذه المبادئ مرشدًا للقادة يمكن الركون إليه في وضع الخطط واتخاذ القرارات الحاسمة. وقد ظلّت مبادئ الحرب ثابتة ومطبّقة في الحرب منذ عصر (نابليون) و (كلاوزفيتز) ، ولكن كاتب هذه المقالة يرى أنه قد آن أوان تغييرها، لأن بعضها لا يلائم العمليات العسكرية في العصر الحديث، ويورد أسبابًا منطقية لطرحه، فهل تكون هذه المقترحات بداية لتغيير مبادئ الحرب، أم أنها ستفتح مجالاً للجدل بين القائلين بثباتها، وبين من يزعمون ضرورة تغييرها أو على الأقل تغيير بعضها؟
في النصف الأول من القرن التاسع عشر، طرح الفيلسوف الفرنسي (أوجست كونت) (1798 1857م) فلسفته الوضعية التي تهتم بالظواهر ووقائع التجربة، وترفض التفكير التجريدي أو التأملي فيما يخص الطبيعة النهائية للأشياء.
والوضعية في علم النفس هي اتجاه سلوكي، وتأكيد لدور البيئة، ورفض للعقل والمفاهيم العقلية. وبحسب رؤية (كونت)، فإن تاريخ الفكر الإنساني قد مرَّ بثلاث مراحل، هي: مرحلة اللاهوت التي هيمنت عليها المعتقدات الدينية والخرافات؛ ومرحلة الميتافيزيقا أو ما وراء الطبيعة، والتي سادتها المعتقدات التأملية؛ ومرحلة الفلسفة الوضعية التي تحكّمت فيها الحقائق العلمية.
كان (كونت) يرى إمكانية توسيع الأسلوب العلمي ليتضمن دراسة الإنسان والمجتمع، وسرعان ما تضمنت الدراسة العلمية الحرب، بل وحتى قبل ظهور فلسفة (كونت) الوضعية، نشرت في العقد الأول من القرن التاسع عشر مؤلفات لبعض المنظرين العسكريين مثل: (أنتوني هنري جوميني) (1779 1869م)، تقول: "إن هناك إجماع تام على أنه ليس ثمة فن أو علم أصعب من الحرب، فهذا الفن كما هو حال غيره من الفنون يقوم على مبادئ معيّنة راسخة، وهي بطبيعتها مبادئ ثابتة لا تتغير، ولكن الذي يتغيّر هو تطبيقها فقط". ومن هنا برز الادعاء الرئيس الذي ظلّ ساريًا حتى الآن بأن مبادئ الحرب كغيرها من القوانين ثابتة لا تتغير، وإنما تتفاوت فقط من حيث تطبيقها.
وكان لتحوُّل الفلسفة الوضعية في الفكر العسكري تداعيات أخرى مهمة غيرالادعاء بثبات قوانين الحرب؛ فكافة القوانين العلمية الطبيعية تحصر ادعاءاتها في العالم المادي، انطلاقًا من مقولة مؤداها : "إذا لم يكن بالإمكان قياس شيء ما، أو التعبير عنه بأبعاده الطبيعية (الحيّز، والزمان، والكتلة، والقوة، والاتجاه)، فلا يمكن القول بوجوده بصورة موضوعية في العالم المادي". وينطبق ذلك أيضًا على المفاهيم العسكرية الأساسية كالإرادة، والتحفيز، والروح المعنوية، والشجاعة، وفن القيادة، والموهبة. ولعل جوهر الفلسفة الوضعية فيما يتعلق بمبادئ الحرب هو تقليلها من شأن البعد الإنساني القوى المعنوية الأمر الذي يرفضه (جوميني) في كثير من كتاباته، ويعتبره أمرًا مفرغًا منه وغير قابل للمناقشة.
وعلى النقيض من موقف (جوميني)، فإن المفكّر العسكري (كارل فون كلاوزفيتز) (1780 1831م)، كان يحمل رؤية فكرية لها جذورها في الفلسفة العقلية التقليدية التي وضعها كل من: (سقراط، وأفلاطون، وأرسطو) والتي تقول: إنه عن طريق الاستدلال العقلي الخالص وبغير اللجوء إلى أية مقدمات يمكن الوصول إلى معرفة جوهرية عن طبيعة العالم، وكان (كلاوزفيتز) يرى أن مبادى الحرب هي مدركات حسِّية، أو تعاليم تهذِّب العقل لخوض الحرب، وليست قانونًا ملزمًا يحدِّد طريقة معيّنة للعمل.
وضمن هذا الإطار، كتب في أحد مؤلفاته أن المبادئ "تهدف إلى تزويد المفكّر بإطار عمل يرجع إليه في تحركاته التي تدرّب على القيام بها، أكثر من كونها دليلاً يسترشد به أثناء العمل للطريق الذي ينبغي أن يسلكه". وبهذا كان (كلاوزفيتز) يقف موقفًا معارضًا للفلسفة الوضعية التي تُخضع مبادئ الحرب للتطبيق العلمي؛ ففي كتابه: (في الحرب) أشار إلى استحالة الحصول على تعاليم وضعية، حيث يقول: "ينبغي أن نتذكر أنه من غير الممكن ببساطة بناء نموذج لفن الحرب يمكن استعماله كقالب يعتمد عليه القائد في كافة الأوقات، فكلما اقتضت الضرورة اعتماده على موهبته الفطرية، فسيجد نفسه في موقف يتناقض مع النموذج الذي يتبعه. ومهما كانت براعة القانون، فإن الموقف سيؤدي حتمًا إلى عواقب ألمحنا إليها بالموهبة والعبقرية التي لا تتقيد بالقوانين".
وفي معرض حديثه عمّا إذا كانت الحرب فن أم علم، يقول: إن كل عمل فكري هو فن، فالفن يبدأ حيث يرسم رجل منطقي خطًا، أي عندما تنتهي مقدمات البرهان التي هي نتاج قوة الإرادة والتمييز ليأخذ الحكم مكانها، كما أن آراء الفكر نفسها هي حكم أيضًا، وبالتالي فهي فن. وفي نهاية المطاف، تكون المعارف المكتسبة بواسطة الحواس فنًا أيضًا بدون شك، وفي كلمة واحدة لا يمكن أن نتصوّر كائنًا بشريًا قد وُهب القدرة على المعرفة دون القدرة على الحكم، كما لا يمكن أن نتصور العكس، لذا يتعذّر فصل الفن عن المعرفة فصلاً تامًا، فكلما تجسّدت عناصر الضوء الدقيقة هذه في أشكال العالم الخارجي كلما انفصلت ممالكها؛ ومجال الإبداع والإنتاج هو الفن، وعندما نستهدف البحث والمعرفة يسود العلم.
ويخلص (كلاوزفيتز) إلى قوله: "من الأفضل أن نقول فن الحرب، وليس علم الحرب"، ويميّز بينهما بوضوح قائلاً: "يكمن الفرق الأساس في أن الحرب ليست نشاطًا للإرادة مطبقًا على مادة جامدة كما هو الحال في الفنون الميكانيكية كالبناء، والنجارة، وتوصيل الأنابيب أو مطبقًا على شيء حي، إنما هو سلبي وخاضع بدون مقاومة، كالفكر البشري، والحساسية في الفنون الجميلة، ولكن الحرب نشاط مطبق على شيء يعيش وينفعل، وإخضاعها لقوانين ميكانيكية جامدة يؤدي إلى الوقوع في خطأ جسيم. وانطلاقًا من ذلك فقد ارتكبت خطيئة أدّت إلى تشبيه الحرب بفنون وعلوم أخرى، وهذا ما أتاح المجال لمجموعة من التشبيهات الخاطئة. وفي الوقت نفسه، فمن الواضح أن النضال المستمر من أجل الحصول على قوانين مشابهة لتلك التي تلائم عالم الأشياء الجامدة يؤدي إلى ارتكاب الخطأ تلو الآخر، وحتى الآن لم تسفر تلك المحاولات عن تحقيق نجاح يُذكر".
وبالتدقيق في التفسيرين السابقين لكلمة (مبادئ) يمكننا الآن معرفة كنههما، ف (كلاوزفيتز) يرى أن المبدأ هو أيضًا قانون للعمل، ولكنه ليس بمعناه الرسمي المحدد، وإنما يمثل فقط روح القانون والإحساس به. وفي الحالات التي يكون فيها تنوّع العالم الحقيقي أكبر من تضمينه في شكل عقيم من القوانين، يتيح تطبيق المبدأ فرصة أكبر لاختيار الأحكام. ولابد هنا من إعمال الفكر لتحديد الحالات التي لا يمكن فيها تطبيق المبادئ، وبذلك تصبح المبادئ بمثابة أداة مساعدة للرجل المسؤول عن العمل. ولم يغفل (كلاوزفيتز) عن الإشارة إلى أن المبادئ التي يعنيها هي مبادئ فن الحرب، للتأكيد على أن التعرُّف عليها يلزم بالضرورة تطبيقها بإبداع، وينظر (كلاوزفيتز) إلى هذا العمل الخلاّق بوصفه أمرًا جوهريًا في فن الحرب برمته.
كيف تشهد مبادئ الحرب تغييرات؟
في الحقيقة لم تشهد مبادئ الحرب تغييرًا حتى كتابة هذه السطور، ولكن هناك شعور بضرورة تغييرها، فقد ظلت مبادئ الحرب على حالها تقريبًا منذ عصر نابليون. والسؤال المطروح هو: كيف إذن يمكن تغييرها؟ فإذا ما شبّهنا فن الحرب بأرقام الرسم على لوحة زيتية، يكون من الضروري تغييرها لتلبية متطلبات المبدع العسكري، فمن وجهة النظر الجمالية أو الإبداعية تتراءى مبادئ الحرب كأرقام على لوحة قماش تساعد في توجيه المبتدئين العسكريين على تعلّم فن الحرب.
ومبادئ الحرب تتغيّر بتغيّر شكل ومضمون الحرب، ولابد من تغييرها إذا ما أُريد لها أن تساهم في تعليم سلك الضباط على أساليب وطرق الحرب الجديدة، ومبادئ الحرب طريقة تعليمية تقدم حلولاً جاهزة لمعضلات عملية في الحرب، ولكنها قد تحدّ من إبداع الرجل العسكري المحنّك أو الخلاّق، فهذا المبدع يعمل وفق لوحة يرسمها لنفسه تحتوي على ألوان إضافية غير تلك الموجودة على لوحة القماش، وفي القرن التاسع عشر ساد اعتقاد واسع بندرة الموهوبين العسكريين، أما في العصر الحالي فقد ابتُكر نظام الأركان العامة لجعل الموهبة العسكرية مسؤولية جماعية. ووفق مثال اللوحة الزيتية السابق، يصبح القادة والأركان هم من يكتبون الأرقام مع بعضهم البعض، وبتوظيف الأركان العامة لعملية التخطيط التي تقع ضمن نطاق عملهم يصممون ميدان المعركة أو اللوحة الزيتية العسكرية فيرسمونه حركة تلو أخرى وفق العمل العسكري. وهكذا يُعبَّر عن نوايا القائد من خلال
مبادئ الحرب بالتطبيق العملي.
وكما أشار (كلاوزفيتز) لن يقف العدو مكتوف الأيدي كاللوحة السلبية، وإنما هو كائن حي مفعم بالنشاط والإرادة والمقاومة، ولذلك فإن معظم فنون العمل العسكري تشبه قطعة القماش الكبيرة التي يغطي بها الرسام لوحاته وتتناثر عليها الألوان، ولكن نظرًا لأن مبادئ الحرب تُلقّن للجميع فإنها تعمل على تماسك العمل، وغالبًا ما يُفقد هذا التماسك بتغيير مبادئ الحرب فيأخذنا تغييرها على حين غرة.
ويتطلب الفن العسكري وسيلة للتعبير وأخرى للعمل، الأولى: هي العدو الذي ينشط في مقاومة إرادة الفنان في القيام بأعماله الإبداعية، والثانية: هي الأدوات التي يستخدمها الفنان العسكري وتتضمن المعدات والتنظيم، فينتج عن تفاعل هاتين الوسيلتين مؤثرات إبداعية، فالرسام لا يستطيع التعبير عن سحابة بيضاء على لوحته إلاّ بالألوان والفرشاة، والقائد العسكري الموهوب في حرب العصابات ومكافحة التمرّد يتجنب المقاومة النشطة. وعندما تتغير وسيلتا التعبير والعمل، يتغير الفن العسكري تغيُّرًا أساسيًا، فتتغير بذلك مبادئ الحرب، وفي التشبيه السابق، لم تعد الأرقام تتناسب مع اللوحة أو تتناسق معها، فتتغير اللوحة نفسها وتتغير الأدوات التي سوف ترسمها. وفي فن الحرب أصبح ذلك أمرًا معقّدًا وجدليًا، حيث أصبحت إحدى أداتي التعبير تسعى لمقاومة الوسيلة الأخرى وتصير أكثر فاعلية منها، فقد أصبحت الدبابات وسفن القتال أكثر تدريعًا، وأصبحت المدافع أكثر قوة، والطائرات أكثر سرعة، وأحدثت هذه التحوّلات ثورة في الشؤون العسكرية؛ وقد يتساءل البعض عن أسباب هذه الثورة. ومن الأمور الواضحة للعيان أن تلك الثورة عادة ما تمضي قدمًا لعدة سنوات دون الانتباه إليها، حتى تحدث هزيمة ساحقة فنتلمسها، ومن النماذج المأساوية على ذلك الحرب العالمية الأولى.
فإذا كان بوسعك أن تتخيل مجموعة من المشتغلين بالكيمياء القديمة في العصور الوسطى في مختبر فيزيائي حديث، يمكنك أن تدرك حجم التغييرات الواسعة في المفاهيم التي واجهت الجيوش المتحاربة، فتلك الجيوش التي كانت تتشبث بمبادئ حرب تمت صياغتها منذ عصر نابليون، وتتسلح بأحدث مخرجات التقنية الحديثة التي أفرزتها الثورة الصناعية جعلت من الفن العسكري تعبيرًا لا يمكن تخيّله من المذابح المتبادلة بين الطرفين. ويُعزى انهيار الجيوش الأوروبية بشكل مباشر لحركتها وفق مبدأ الحشد؛ فحسب ما ورد في كتابات (جوميني)، تحاول الجيوش تحقيق الحسم عن طريق الحشد في ميدان المعركة، ولكن بظهور الحرب الشاملة المزوّدة بأسلحة الثورة الصناعية، أصبح من العسير تطبيق ذلك المبدأ، فأولاً: تغري قوة الفتك التي تتميز بها الأسلحة الجديدة على التدمير، وثانيًا: يجعل الحشد الجيوش لقمة سائغة للعدو باكتشافها وتحديد مواقعها، وثالثًا: يصعب توفير الإمداد والتموين للجيوش كبيرة الحجم لمدة طويلة، بل ويعيق كبر الحجم عمليات المناورة، فلم تكن الحرب العالمية الأولى بمثابة فشل في الخيال فحسب، وإنما فشل في القيادة المؤسسية أيضًا.
وباختصار شديد، ينبغي على قادة المؤسسات الكبرى كالمؤسسة العسكرية أن يقدموا التوجيه والحماية والنظام للقوات العسكرية، فالنظام يغرس الاستقرار المؤسسي بتطبيق الأعراف السائدة وأنماط السلوك وطرق حل المشكلات. وفي المؤسسة العسكرية تقوم العقيدة العسكرية التي تُعدُّ مبادئ الحرب جزءًا لا يتجزأ منها بهذا الدور البارز، وتحدث الأفكار الجديدة تأثيرًا مضادًا. وتعتبر هذه الأفكار الجديدة كالاقتراح بإجراء تعديلات جديدة على مبادئ الحرب التي أثبتت نجاحًا مجرد بدعة خطيرة، ويؤثر ذلك على المؤسسة العسكرية بثلاث طرق هي: أولاً: يتولّد عن الأفكار الجديدة طرق جديدة في التفكير تؤدي إلى انقسامات فكرية في أوساط الرأي العام الذي كان متماسكًا قبلها؛ وثانيًا: تثير الشكوك حول معتقداتها الراسخة، ويتمخض عن ذلك شعور بعدم الولاء للمؤسسة؛ وثالثًا: أن الأفكار الجديدة تخلق شعورًا بعدم الاستقرار المهني وفقدان الثقة. ولهذه الأسباب مجتمعة، يرفض أعضاء التنظيم إجراء التغيير. فلم يكن القادة الذين زجّوا بقواتهم في تلك المفرمة الحرب العالمية الأولى قبل أكثر من تسعين عامًا أغبياء، وإنما واجهوا مشكلة تتكرر لنا اليوم هي: عدم الإقدام على إجراء التغيير. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه فيما يتعلق بكيفية تغيير مبادئ الحرب يتمحور في الأساس حول: كيف نبادر بذلك التغيير.
مبادئ الحرب كأداة من أدوات التغيير
ينبغي إعادة النظر في مبادئ الحرب في طليعة التحوُّلات العسكرية للقرن الحادي والعشرين، وأقترح التغييرات التالية كنقطة بداية فحسب في مناظرة قادمة:
مبدأ وحدة المجهود:
أشار (كلاوزفيتز) إلى "أن أول أحكام القائد العام، أو رجل الدولة، وأعظمها شأنًا وحسمًا، تكمن في تقديره الصحيح لنوع الحرب التي يقوم بها، لكي لا تؤخذ على غير ما هي عليه حقًا، ولكي لا يجعل منها ما تحظره طبيعة الظروف. هذه إذن أول المسائل الاستراتيجية وأوسعها".
ويعني مبدأ وحدة المجهود أن حل أي مشكلة عسكرية ينبغي أن ينسجم مع الأهداف السياسية، ولا ينبغي المساس بتلك الأهداف عند صياغة الحلول؛ وبعكس ذلك تمامًا، لن تفضي الحلول العسكرية إلى نجاح لو كان بالسياسة خلل أساسًا، لأن الحلول النهائية التي تُصاغ بموجب سياسة ناقصة ستحمل دائمًا بذور فشلها في رحمها. وكنتيجة طبيعية مستشهدين بقول (كلاوزفيتز) مرة أخرى يمكننا القول إن الحلول السياسية التي تميل نحو النزاع لا ينبغي اعتبارها عملاً حرًا من أعمال النفس، وإنما أداة من أدوات السياسة،؛ وهكذا، فإن كافة الأعمال التي تسترشد بمجموعة من المبادئ تتوحّد من أعلى الهرم القيادي وحتى أدنى المستويات اعسكرية لتحقيق الأهداف الوطنية.
مبدأ تركيز الاستخدام:
يُعرف هذا المبدأ أيضًا باسم الالتفاف، وهو من أهم مبادئ الحرب، وهو مستمد من الطبيعة لتقليل الطاقة والمجهود لأدنى حدٍ ممكن، بدءًا بالمستويات المحلية وحتى العالمية. ويُعدّ الالتزام بهذا المبدأ هو أقصر الطرق إلى حسم الموقف أو الصراع. ومن النظريات العسكرية التي تقوم على هذا المبدأ (نظرية الاقتراب غير المباشر)، التي صاغها المفكّر العسكري (ليدل هارت)، أما تطبيقاته في التاريخ العسكري، فمنها: عمليات الإنزال في كوريا عام 1950م، وهجوم (هتلر) عبر (غابات الأردينز) عام 1940م، وغيرها من الحالات التي استهدفت تقليل المجهود والخسائر للحد الأدنى عند إنجاز المهام.
وهناك عديد من المشاهد في حياتنا اليومية على تطبيق مبدأ تركيز الاستخدام، حيث نجد أن كافة الوسائل التقنية الحديثة تساعدنا على تطبيقه، كالهواتف، والمصاعد، والجسور، والطائرات، والمدفعية؛ والنتيجة الحتمية لمبدأ الالتفاف هي المناورة؛ فالمناورة هي حركة لاحتلال موقع أو حرمان العدو من حرية الحركة، أو إتاحتها للقوات الصديقة. ومن الواضح أن الالتفاف يتطلب وجود شيء للالتفاف من حوله وأخذ المبادأة بالحركة، ويدل ذلك على وجود قوة مقاومة.
مبدأ مركز الثقل:
مركز الثقل هو "وسيلة حالية لتحقيق غايات مستقبلية"، وهو مصدر قوتنا للمقاومة والحركة، والتعبير الجسدي والمعنوي لإرادتنا الإبداعية ووسيلتنا للعمل والمقاومة والتعبير. ولكي يزدهر الفن العسكري لابد من وجود هذه القوة المقاومة؛ فالنحّات مثلاً يستخدم مِطرقته وإزميله ليشكِّل عمودًا رخاميًا مقاومًا مقاومة سلبية وينحت تمثالاً يعبّر عن إرادته. وفي المعارك تصبح المقاومة الشرسة هي وسيلتنا للتعبير، إلاّ أننا في الوضع المثالي نرغب في وجود خصم سلبي مثل الجنرال (كارل ماك) الذي لم يتحرّك وظلّ جامدًا في مكانه في مدينة (أولم) على نهر (الدانوب) في ألمانيا الغربية عام 1805م أثناء التفاف (نابليون).
مبدأ الهدف:
تُوجَّه كافة الأعمال نحو هدف مشترك، وغالبًا ما يكون ذلك في إطار حلّ لمشكلة ما. ولمبدأ الهدف ثلاث نتائج طبيعية، هي: الغرض ، والتوجيه، والتحفيز، وهذه النتائج تدفع في مجملها القيادة الجسورة نحو نظام المبادئ، وتقوّي من مركز الثِقَل مع إرادة القائد، فالتوجيه يُعدُّ خطًا للعمليات يدفع مركز ثِقلنا نحو هدفه، والغرض يغرس في نفوس القوات روح العزيمة والإصرار والمثابرة، أما التحفيز فيلهب حماس القوات، ويشجعها، ويدفعها نحو العمل. وهذا المبدأ هو الذي يحرّك مركز الثِقل ويبث فيه روح المقاومة.
خاتمة
تعمل مبادئ الحرب على موازنة القيادة المؤسسية، وعلىتنظيم العمل العسكري، وسيؤدي تغيير تلك المبادئ إلى تغيير المؤسسة العسكرية، لذا، لابد من دراسة مستفيضة ومتأنّية قبل إجراء التغييرات عليها، وبعد مناقشتها وفهمها تأتي مرحلة توسيع المفهوم ليشمل مبادئ الصراع، فملامح العمل العسكري في بداية القرن الحادي والعشرين تشير إلى أنه ينطوي على أكثر من مجرد المفهوم الضيق لخوض الحرب
المراجع:
Army Magazine, July, 2006.
*د. جيمس جيه اسشيدر، بروفيسور العلوم العسكرية بمدرسة الدراسات العسكرية المتقدمة التابعة لكلية القيادة والأركان العامة الأمريكية ب (فورت ليفنورث) بولاية (كنساس).