* الفلسطينيون في العراق بعد الغزو الامريكي:
بعد دخول قوات الاحتلال الأميركي إلى بغداد، وانهيار النظام السابق، تعرض اللاجئون الفلسطينيون إلى أعمال عدوانية شنها ضدها المسلحون، فأخرجوهم من منازلهم، وأعادوهم مرة أخرى إلى الخيام، ودارت دورة التاريخ، لتستعيد النكبة الفلسطينية بعضاً من وجوهها، ومع استمرار تدهور الأوضاع الأمنية واستمرار الفوضى التي نجمت عن القرارات الكارثية التي أقدم على تنفيذها بريمر( حل الجيش وأجهزة الأمن) وكذلك تدمير مؤسسات الدولة وبناها التحتية، ترافق مع ذلك تصاعد وتفاقم النعرات الطائفية والمذهبية التي روج لها المحتلون ومن يقف معهم، ما أثر على أحوال المواطنين العرب المقيمين في العراق وخاصة اللاجئين الفلسطينيين حيث بدأت الاعتداءات والمضايقات تزداد وتخلف وراءها ضحايا شهداء وجرحى ومعتقلين ومخطوفين ومفقودين، وتم استهداف التجمعات السكنية التي يشغلها فلسطينيون عبر الاعتداءات تارة بإطلاق النار، وتارة أخرى بقصفها بقذائف الهاون، خاصة المجمع السكني في البلديات الذي يسكن فيه ما لا يقل عن (40 %) من الفلسطينيين الموجودين في العراق في ظروف سكنية وخدمية ومعاشية صعبة.
لم يتعرض الفلسطينيون في العراق إلي الاستهداف المتعمد علي يد المليشيات والقوى المختلفة والمتصارعة، فحسب، بل أن الحكومة العراقية بمؤسساتها استهدفت الفلسطينيون علي كافة الأصعدة فقد شنت مؤسسات اعلامية رسمية حملة ضد الفلسطينيين في العراق، وتم توصيف الفلسطينيين باعتبارهم من أتباع النظام العراقي السابق، وبأنهم مسؤولون عن الكثير من الأعمال (الإرهابية) على حد زعم تلك المؤسسات، مما أودي بحياة المواطنين العراقيين الأبرياء، وجرى تحميل الفلسطينيين مسؤولية حادثة تفجير سيارة مفخخة في حي بغداد الجديدة، حيث سقط عشرات العراقيين الأبرياء ضحايا هذا الحادث الإجرامي الذي اتهم فيه (4) مواطنين فلسطينيين، منهم (3) أشقاء، وتم عرضهم لعدة أيام علي الفضائية العراقية والفيحاء والفرات، وتم شن حملة إعلامية واسعة ساهمت في خلق رأي عام في أوساط بعض العراقيين الذين سمعوا وصدقوا هذا الأبواق المشبوهة. وبموازاة هذه الحملة التي تم فيها تصوير الفلسطيني في العراق علي أنه عدو إرهابي ضد الشعب العراقي.
وقد ألغت الحكومة العراقية المؤقتة والانتقالية الإقامة الدائمة للاجئين الفلسطينيين في العراق، واستبدلت ذلك بقرار المراجعة الدورية المستمرة الشهرية تارة، وكل شهرين أو ثلاثة اشهر تارة أخرى، وأخيراً أصبحت كل ستة أشهر، ولكن بعد تشكيل حكومة إبراهيم الجعفري تم العودة الى قرار المراجعة الشهرية مرة أخرى، وأخيراً رست الأمور على المراجعة كل (3) أشهر، وتتم المراجعة بحضور كافة أفراد الأسرة صغيراً وكبيراً، مريضاً كان أو معوقاً، وأي تأخير في المراجعة يتوجب عليه دفع غرامة لكل فرد مقدارها (10) دنانير عراقية، كما أنها اشترطت لحيازة وثيقة سفر جديدة عدد من الشروط التعسفية والتجيزية، ولم يستطع الحصول علي وثائق جديدة غير عدد محدود جدا من الفلسطينيين، كما أنه تم ايقاف اصدار بطاقة هوية شخصية لكل المواليد الجديدة ممنذ عام 2003، كما انه لا يتم إصدار بطاقة هوية بدل فاقد أو تالف للاجئين الفلسطينيين، وهناك أعداد من الفلسطينيين لا يحملون أية أوراق ثبوتية، على الرغم من أن حمل الهوية الفلسطينية في ظل الأوضاع الأمنية المتردية في العراق يعتبر بمثابة تهمة أو جريمة، حيث تم إيقاف واعتقال عدد من الفلسطينيين من قبل حواجز الجيش العراقي أو مغاوير وزارة الداخلية فقط لأنهم يحملون الهوية الفلسطينية الصادرة عن مديرية الإقامة.
ومنذ الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 برزت صورة بشعة للاعتداءات الامريكية والعراقية للفلسطينيين المقيمين في العراق، تمثلت بالقتل المتعمد للاجئين الفلسطينيين وبطريقة وحشية (بعد اعتقالهم على يد قوات "بدر" وقوات جيش "المهدي" الشيعية التي يتزعمها مقتدى الصدر)، والتنكيل بجثثهم قبل تسليمها الى اهاليهم مقابل جزية قسرية تصل الى عشرة الاف دولار او خمسين الف دولار، وقد قتل نتيجة ذلك (220) لاجئاً فلسطينياً في العراق من خلال القتل على الهوية خلال الفترة الممتدة من اذار 2003 وحتى كانون الثاني من عام 2007.
حاول اللاجئون الفرار من العراق تحت وطأة المجازر، فتم تهجير (304) اشخاص باتجاه منطقة الهول شرق مدينة "الحسكة" في شمال شرق سورية في صيف عام 2006، وبدأت عملية انشاء مخيم لاسكانهم في نفس المنطقة بمساعدة سورية واضحة، كما أن دفعة جديدة من لاجئي العراق اضطرت لانشاء مخيم بعد فرارها من بغداد خوفاً من مجازر محتملة على يد القوات الشيعية من قوات "بدر" وجيش "المهدي" في منطقة "التنف" بين الحدود العراقية السورية وبالتحديد في المنطقة المحايدة، وفي تلك المنطقة مخيمان يضمان نحو (400) لاجىء غالبيتهم من الاطفال وسن المدرسة، حيث ما تزال قضيتهم عالقة دون حل، واحتمالات ارتكاب مجزرة وارد جداً، خاصة وان التهديد والوعيد ومحاولات الخطف تلاحقهم في مخيمهم الجديد.
وفي تصعيد واضح واستهداف لم يسبق له مثيل لفلسطينيي العراق في الشهر الأخير من عام 2006 وبداية عام 2007، ترددت أخبار متكررة عن عمليات خطف لفلسطينيين من أماكن عملهم وفي الطرقات، واعتقال للبعض الآخر من قبل جهات تابعة لأجهزة وزارة الداخلية ثم قتلهم، وكأنّ هنالك مخطط وتنظيم وراء ذلك الاستهداف. والابرز كان في الايام القليلة الماضية قصف منطقة البلديات التي تستحوذ على العدد الاكبر من اللاجئين بمدفعية الهاون من قبل جيش "المهدي" الذي يكلف من مقتدى الصدر شخصياً، حيث قابل قبل اشهر بعض الشخصيات الفلسطينية في العراق وبرر لهم عملية القتل والتنكيل التي ارتكبت بحق اللاجئين الفلسطينين.
ويمكن اجمال ما يتعرض له الفلسطينيين في العراق علي النحو التالي:
1) القتل المتعمد للمواطنين الفلسطينيين، وعليه فقد شنت على اللاجئين الفلسطينيين حرب أمنية متعددة الأشكال أدت إلى استشهاد أكثر(220) منهم (170) فلسطينياً أكثر من (50%) لأنهم يحملون الهوية الفلسطينية أو لكونهم فلسطينيين فقط.
2) اختطاف العشرات من اللاجئين الفلسطينيين بحجة أنهم ميسورون ومطالبة أهاليهم بدفع فدية تتراوح حسب الحالة بين (10 إلى 15) ألف دولار كي يتم إطلاق سراح المخطوف الذي يكون في حالات عديدة رجلاً طاعناً في السن، أو طفلاً في المدرسة الابتدائية، أو شاباً في مقتبل العمر، وقد تم أخذ الفدية في (10) حالات من أهالي المخطوفين وبعد ذلك تم قتلهم.
3) التهجير القسري من أماكن السكن، تخبرنا المصادر انه تم طرد أكثر من 800 أسرة فلسطينية في ابريل 2003، الا أن العدد الأقرب إالي الحقيقية،هو تهجير (400) عائلة من مساكنهم في عام 2003، و تم إسكان أكثر من (300) عائلة منهم في خيام دون المتطلبات الحياتية الأدنى بالقرب من منطقة البلديات التي يتركز فيها اكثر من اربعمائة عائلة اخرى.
4) استمرار اعتقال عشرات الفلسطينيين في سجون الاحتلال الأمريكي، وكذلك سجون وزارة الداخلية العراقية، علماً أنه منذ بدء الاحتلال تم اعتقال واطلاق سراح مئات الفلسطينيين في العراق، كما أن هناك عدداً يتجاوز (10) مواطنين فلسطينيين يعتبرون مفقودين ولا يعرف مصيرهم منذ أن اختفوا في عام 2004.
5) إصابة عشرات الفلسطينيين بجروح بعضها خطيرة نتيجة فشل عدد من عمليات الاغتيال والتصفية، وكذلك من جراء اصابة الكثير منهم في قصف مجمع البلديات، ولا يوجد احصائيات دقيقة عن عدد الاصابات.
6) اضطرار آلاف اللاجئين الفلسطينيين إلى مغادرة العراق بكل الأشكال والطرق المتاحة إلى أي بلد عربي أو أجنبي يمكن أن يستقبلهم. كما أن هناك مئات من اللاجئين الفلسطينيين عالقين على الحدود منذ أكثر من (3) سنوات في معسكر رويشد على الحدود العراقية الأردنية، وهناك حوالي (250) شخصاً يعيشون في معسكر الهول في مدينة الحسكة السورية، كما أن هناك أكثر من (450) مواطناً فلسطينياً يقيمون في التنف على الحدود السورية العراقية، يعيشون في ظروف معاشية وانسانية قاسية.
* علاقة اللاجئين بممثلهم الوطني "منظمة التحرير الفلسطينية" :
يأتي الحديث الآن عن طبيعة العلاقة ما بين الفلسطينيين في العراق ومنظمة التحرير الفلسطينية فمما لا شك فيه بأن هذه العلاقة قد مرت بمراحل مد وجزر عديدة وذلك تبعا للظرف السياسي القائم إذ لا يمكن القول بأن العلاقة ما بين اللاجئيين الفلسطينيين في العراق ومنظمة التحرير الفلسطينية كانت نموذجية أو في أروع حالاتها وفي نفس الوقت لا يمكن القول عنها إنها كانت على درجة كبيرة من السوء . خاصة عند تشكيل العراقية لظاهرة أبو نضال في السبعينات كان من شأنه أن يوتر العلاقة ما بين النظام القائم آنذاك ومنظمة التحرير إلى ان وصلت الأمور إلى حد طرد المنظمة من بغداد، وقد أدى ذلك إلى إضعاف قناة التواصل ما بين اللاجئيين الفلسطينيين في العراق وممثلها الوطني واستمر ذلك الحال إلى حين نشوب الحرب العراقية الإيرانية والتي شهدت تحسنا واضحا في العلاقة مع العراق عكست نفسها إيجابا على الفلسطينيين في العراق، كما القيود التي فرضها النظام السابق على حرية العمل السياسي في وسط الفلسطينيين، وخاصة فيما يتعلق بممثلي الهياكل السياسية للجالية في العراق باستثناء جبهة التحرير العربية وهي الوجه الفلسطيني لحزب البعث العربي الاشتراكي، كما لعبت ظروف الحصار واتفاقيات أوسلو في عودة بعض البرودة إلى العلاقة مع العراق وخاصة في ظل عدم توجه قيادة منظمة التحرير إلى العراق بالإضافة للموقف السياسي للحكومة العراقية السابقة ومعارضتها لاتفاقيات أوسلو، مما عكس نفسه سلبا على أبناء اللاجئيين الفلسطينيين في العراق وخاصة أن العلاقة بقيت محصورة من خلال السفير عزام الأحمد الذي تباعدت زياراته لبغداد بحكم منصبه في السلطة وقد انقطعت الآن بعد سقوط بغداد.
بجانب غياب المنظمة عن اللاجئيين الفلسطينيين في العراق، غابت المؤسسات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين عن العراق لعقود طويلة وذلك بحكم رفض حكومات العراق المتعاقبة لمثل هذا التواجد حيث تم الاتفاق ما بين حكومة العراق الملكية آنذاك بعدم تواجد وكالة الغوث في العراق وتحمله لمسؤولية اللاجئين مقابل أن لا يشارك في دفع المبالغ المخصصة والتي تترتب عليه لوكالة الغوث، وبقيت الأمور على هذا الحال حتى سقوط بغداد، حين قامت بعض المؤسسات الدولية بالتعاطي مع ملف اللاجئين في العراق منها المفوضية العليا للاجئين ومحاولتها لإجراء إحصاء لأبناء اللاجئيين الفلسطينيين في العراق ولكنها محاولة لم تنتهي بسبب الظروف الأمنية وتبرر المؤسسات الدولية حاليا غيابها بالأوضاع الأمنية المتأزمة ولا شك فقد وجهت جموع اللاجئين نقدا لاذعا لأداء المؤسسات الدولية المعنية بقضاياهم، وخاصة ان هناك عجزا واضحا لدى المؤسسات الدولية في سياق تعاملها مع ملف اللاجئين في العراق.